الأمين العام أمام مجلس الأمن: الشرق الأوسط يمر بمرحلة تحول عميقة ويحب ضمان خروج شعوبه بسلام وكرامة
٢١ يناير ٢٠٢٥
قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن الشرق الأوسط يمر "بمرحلة تحول عميقة - مليئة بالريبة، ولكن أيضا بالإمكانات"، وشدد على أن المجتمع الدولي يجب ألا يدخر أي جهد "للمساعدة في صياغتها على شكل مزيد من العدالة والكرامة وحقوق الإنسان والسلام" لجميع شعوب المنطقة.
في كلمته أمام اجتماع موسع بمجلس الأمن الدولي، قال السيد غوتيريش إن المنطقة يُعاد تشكيلها ومن غير الواضح ما الذي سينجم عن ذلك. وأضاف : "لدينا مسؤولية للمساعدة في التأكد من خروج شعوب الشرق الأوسط من هذه الفترة المضطربة بالسلام والكرامة وأفق أمل قائم على العمل".
يُعقد اجتماع مجلس الأمن الدولي برئاسة أحمد عطاف وزير خارجية الجزائر، الذي ترأس بلاده مجلس الأمن خلال الشهر الحالي.
فجر لبنان الجديد
UN Photo
أكد غوتيريش أن "فجرا جديدا يشرق" في لبنان"، آملا أن تشكل حكومة قريبا يشعر جميع اللبنانيين بالتمثيل فيها، "ودولة قادرة على ضمان الأمن لجميع مواطنيها".
كان الأمين العام قد عاد للتو من لبنان حيث رأى بنفسه "التأثير البشري المأساوي والدمار" في الجنوب الناجم عن الصراع. وأضاف أن الإسرائيليين كانوا أيضا ضحايا وعانوا من الخسائر والتشريد، وأعرب عن أمله في أن يتمكن الجميع من الجانبين قريبا من العودة إلى مناطق سكناهم، مؤكدا أن الأمم المتحدة ستبذل كل ما في وسعها لتخفيف المعاناة ودعم التعافي.
وقال السيد غوتيريش إن وقف الأعمال العدائية في البلاد هش، لكنه لا يزال صامدا. وشدد على ضرورة أن ينتهي الوجود الإسرائيلي في الجنوب، كما هو محدد في الاتفاق، "وأن تكون القوات المسلحة اللبنانية موجودة في كل أنحاء لبنان" - وهي عملية بدأت بالفعل في الجنوب بدعم من قوات اليونيفيل.
وشدد الأمين العام على أن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في البلاد "تحتاج إلى تعزيز القدرات - بما في ذلك إزالة الألغام والتخلص من الذخائر غير المنفجرة - إلى جانب تكييف سلوك العمليات ضمن ولايتها".
وقال إن قرار المجلس رقم 1701 واضح في أن المنطقة الواقعة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني يجب أن تكون خالية من جميع الأفراد المسلحين والأصول العسكرية والأسلحة - باستثناء تلك التابعة لحكومة لبنان واليونيفيل، داعيا الأطراف إلى تنفيذ القرار بالكامل.
التهديد الوجودي لفلسطين
وقال السيد غوتيريش إن اتفاق وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن في غزة يقدم "شعاع أمل"، على الرغم من التحديات العديدة. وقال إن الأمم المتحدة تقوم بدورها لضمان التوسع السريع في العمليات الإنسانية - مشيرا إلى أن أكثر من 630 شاحنة محملة بالمساعدات الإنسانية دخلت القطاع يوم أمس، بما في ذلك ما لا يقل عن 300 منها توجهت إلى الشمال.
وحث الأمين العام الأطراف على ضمان أن يؤدي هذا الاتفاق إلى إطلاق سراح جميع الرهائن، ووقف إطلاق النار الدائم في غزة، مضيفا أنه يجب أن يُترجم على الأرض إلى أربعة إجراءات متزامنة على الأقل:
- يجب أن تكون كيانات الأمم المتحدة - "بما في ذلك العمود الفقري لاستجابتنا الإنسانية، الأونروا" - قادرة على أداء وظائفها دون عوائق.
- توسيع نطاق تقديم المساعدات والخدمات الأساسية يتطلب ظروفا آمنة وبيئة عمل مواتية، بما في ذلك السماح بمعدات الحماية والاتصالات واستعادة النظام العام.
- يجب أن يتمكن الناس من الوصول إلى المساعدات المنقذة للحياة ويجب أيضا السماح للإمدادات التجارية الكافية بالدخول إلى غزة
- يجب حماية المدنيين، ويجب أن يكون لدى الساعين إلى العودة إلى مجتمعاتهم ممر آمن.
كما تطرق الأمين العام إلى قضية أعمال الحكم والأمن في القطاع، مؤكدا أن السلطة الفلسطينية أبدت استعدادها لتولي دورها ومسؤولياتها في غزة. وحث على تقديم "الدعم الجماعي" لإنشاء ترتيبات تمكن من إعادة توحيد غزة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وإداريا مع الضفة الغربية.
إلا أنه أشار إلى أن الوضع في الضفة الغربية يستمر في التدهور بسبب الاشتباكات والغارات الجوية والتوسع الاستيطاني غير القانوني المستمر وهدم المنازل. وأضاف: "أنا قلق للغاية بشأن التهديد الوجودي لسلامة وتواصل الأرض الفلسطينية المحتلة في غزة والضفة الغربية".
وقال إن الموافقات على المستوطنات تسارعت وأن كبار المسؤولين الإسرائيليين يتحدثون علنا عن ضم كل أو جزء من الضفة الغربية رسميا في الأشهر المقبلة، وقال: "أي ضم من هذا القبيل سيشكل انتهاكا خطيرا للغاية للقانون الدولي. ومن الواضح أن زيادة الاستقرار في الشرق الأوسط يتطلب اتخاذ إجراءات لا رجعة فيها نحو حل الدولتين".
سوريا عند مفترق طرق
كانت سوريا لقرون طويلة "مفترق طرق للحضارات"، وهي الآن تقف "عند مفترق طرق التاريخ" مع سقوط "النظام السابق الوحشي"، بحسب الأمين العام الذي قال: "لا يمكننا أن ندع شعلة الأمل تتحول إلى جحيم من الفوضى".
ورحب غوتيريش بالخطوات التي اتخذتها الدول لإظهار التضامن مع الشعب السوري، وقال إن المزيد من العمل المهم في معالجة العقوبات "سيكون ضروريا حتما"، خاصة في ضوء الاحتياجات الاقتصادية العاجلة للبلاد. وأضاف أن تعزيز الانتقال السياسي الشامل هو الوسيلة الأكثر فعالية لضمان حصول سوريا على مزيد من الدعم.
دولة فلسطين
UN Photo/Loey Felipe
قالت فارسين أغابكيان، وزيرة الدولة للشؤون الخارجية والمغتربين في الحكومة الفلسطينية إن "بارقة الأمل" التي بدأت تلوح في الأفق الآن، "نأمل أن تصمد وتنجح بما يؤدي إلى الوقف التام والنهائي لإطلاق النار وبلا عودة للعدوان والانسحاب الكامل لقوات الاحتلال من قطاع غزة، وإرساء مسار سياسي مستند على قرارات الشرعية الدولية يؤدي إلى نهاية الاحتلال، وتنفيذ ما كان في فتوى مـحكمة العدل الدولية وفق قرار الجمعية العامة الداعي لنهاية الاحتلال خلال عام واحد".
وطالبت بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات العلاقة بما في ذلك قرار مجلس الأمن رقم 2735.
وأكدت أن قطاع غزة جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة، وأن دولة فلسطين هي صاحبة الولاية القانونية والسياسية على القطاع وكافة الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، مجددة الرفض القاطع "لأي محاولات لاقتطاع أجزاء من أرضنا أو تهجير أبناء شعبنا".
وقالت الوزير الفلسطينية: "نؤكد أن الحكومة الفلسطينية جاهزة لتولي مسؤولية إدارة قطاع غزة إلى جانب الضفة الغربية، وذلك بالتعاون مع الدول والمنظمات الصديقة والشقيقة، بما في ذلك إعادة تقديم الخدمات الأساسية الصحية والتعليمية والمياه والكهرباء، وضمان عودة النازحين إلى منازلهم والتجهيز لمرحلة إعادة الإعمار".
وأكدت التزامهم بإدارة المعابر بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي ومصر وفقا لاتفاق 2005. ورحبت بأي مساعدات في مجال تدريب وتجهيز قوات الشرطة والأمن الفلسطينية.
وقالت إنهم يتطلعون إلى عقد المؤتمر الدولي لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وحل الدولتين والذي سيعقد في شهر حزيران/يونيو في نيويورك، مضيفة: "نطالب كافة الدول المشاركة باتخاذ خطوات عملية وحاسمة لإنهاء الاحتلال ودعم استقلال دولة فلسطين وتحقيق السلام العادل".
إسرائيل
UN Photo/Evan Schneider
من جانبها، قالت رئوت شابير بن نفتالي ـ منسقة الشؤون السياسية بالبعثة الإسرائيلية الدائمة لدى الأمم المتحدةـ إن الرهائن المحتجزين في غزة كانوا عرضة "لمعاناة لا يمكن تصورها" على مدى 472 يوما، بما في ذلك النساء الثلاث المفرج عنهن أمس، اللواتي "يجسدن قوة الشعب الإسرائيلي وقدرته على الصمود، ويمثلن رموزا أبدية للشجاعة في مواجهة قسوة لا يمكن تصورها".
وقالت بن نفتالي إن على مجلس الأمن مواجهة "حقيقة غير مريحة"، وهي أن فشله في محاسبة حماس "يمثل سابقة خطيرة"، ويعد إشارة إلى العالم "بأن المنظمات الإرهابية يمكنها العمل دون عقاب، واستغلال الأرواح البريئة كأوراق مساومة، دون خوف من عواقب جدية. هذه السابقة لا تشجع حماس فحسب، بل وأي مجموعة تسعى إلى محاكاة تكتيكاتها".
وقالت المندوبة الإسرائيلية إن المنطقة تقف عند نقطة تحول بعد "الخسائر المدمرة التي تكبدها وكلاء إيران من خلال شجاعة وتصميم الجنود [الإسرائيليين]". وقالت: "لم تضعف إسرائيل حماس فحسب، بل غيرت بشكل أساسي المشهد الاستراتيجي للشرق الأوسط، حيث واجهت شبكة إرهاب النظام الإيراني - من حزب الله في لبنان إلى الحوثيين في اليمن - انتكاسات كبيرة".
وقالت إن تصرفات إسرائيل أرسلت رسالة واضحة مفادها أن الأيام التي "كانت فيها الجماعات الإرهابية قادرة على العمل دون عقاب" وكان بإمكان إيران "زرع الفوضى والإرهاب بحرية في جميع أنحاء الشرق الأوسط قد ولت". وأضافت: "من الواضح أن رد إسرائيل الحاسم والضروري على مذبحة 7 تشرين الأول/أكتوبر هو الذي أجبر حماس على الجلوس إلى طاولة المفاوضات".
وأكدت أن هذه الحرب "لن تنتهي إلا بعد عودة كل الرهائن، وتفكيك قدرة حماس على الإرهاب. ولن نرتاح إلا بعد عودة كل الرهائن إلى ديارهم. ولن نتوقف إلا بعد القضاء على تهديد حماس، ولن ننسى أبدا الثمن الذي دفعه الأبرياء".
الجزائر
UN Photo/Evan Schneider
أحمد عطاف وزير الخارجية الجزائري قال إن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة "طال انتظاره على خلفية تنفيذ المشروع الإسرائيلي في غزة تحديدا وفي المنطقة عموما". وقال إن غزة لم تعد كما كانت بعد ما طالتها "جرائم راح ضحيتها أكثر من 46 ألف شهيد أغلبهم من النساء والأطفال" وبعد الدمار المهول الذي لحق بها وهدم كافة أركانها ومقدراتها.
وأضاف: "وإن كان مجلسنا هذا قد عجز سابقا عن إنصاف الشعب (الفلسطيني) وإحقاق حقوقه، فالأحرى به اليوم ألا يفوت هذه اللحظة التاريخية الفارقة لتحمل كل مسؤوليته التي حملها إياه ميثاق منظمتنا هذه". وذكر أن هذه المسؤولية لا تقتصر على معالجة تداعيات "العدوان الذي كابدته غزة"، بل تتعدى ذلك لتشمل التكفل بجوهر الصراع المتمثل في تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني.
وأضاف الوزير الجزائري أن "اتفاق وقف إطلاق النار ليس نقطة الوصول، بل هو نقطة البداية، كما أنه فرصة يتوقف نجاحها أو فشلها على مدى استغلالها وتوظيفها والبناء عليها".
ودعا مجلس الأمن إلى تركيز جهوده في المرحلة المقبلة على 3 مستويات رئيسية هي:
- الأول يتمثل في تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار ومتابعة تنفيذه،
- الثاني يتعلق بضرورة حرص مجلس الأمن على أن تراعي "ترتيبات اليوم الموالي في قطاع غزة"، إرادة الفلسطينيين وتكرس توافقاتهم وتحمي تطلعاتهم للمضي قدما في تجسيد مشروعهم الوطني.
- الثالث يرتبط بحتمية البناء على اتفاق وقف إطلاق النار ببعث مسار سياسي جدي تحت رعاية الأمم المتحدة بهدف حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
الولايات المتحدة
UN Photo
قالت القائمة بأعمال المندوبة الدائمة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة دوروثي شيا إن الصراع في غزة كان ينبغي أن ينتهي منذ فترة طويلة، مؤكدة على ضرورة "ألا ننسى أبدا الأرواح التي أزهقت نتيجة للهجوم الإرهابي الوحشي الذي شنته حماس في 7 أكتوبر، والأهوال التي تحملها عدد لا يحصى من الأبرياء في الحرب التي تلت ذلك". وقالت إنه لا يمكن السماح للحركة بالهيمنة على المشهد السياسي في غزة "والاستمرار في لعب دور المخرب نيابة عن الشعب الفلسطيني".
وأضافت أن حماس "تستغل معاناة الفلسطينيين بشكل ساخر" باستخدام البنية التحتية المدنية لأغراض عسكرية، بينما "تلعب دور الضحية"، وتوجه نداءات إلى المجتمع الدولي نيابة عن الفلسطينيين وغزة فيما تعرضهم للخطر.
ورحبت بالتصريحات الأخيرة للقيادة الفلسطينية، والتي أكدت على أن حماس "تضع مصالح طهران فوق مصالح الشعب الفلسطيني"، وبالتالي تؤدي بالدمار إلى غزة.
وقالت شيا إن معركة إسرائيل هي مع حماس، "وليس مع المدنيين الفلسطينيين، الذين تدعي الجماعة الإرهابية زورا أنها تمثلهم". وأكدت أن قادة المنطقة سيحتاجون إلى اتخاذ خيارات صعبة للمساعدة في إيجاد "واقع جديد في المستقبل القريب"، مضيفة أن بلادها ستبذل كل ما في وسعها "لمساعدة الإسرائيليين والفلسطينيين على اغتنام هذه اللحظة معا وإيجاد السلام من خلال هذا الاتفاق".
الاتحاد الروسي
UN Photo/Evan Schneider
فاسيلي نيبيزنيا الممثل الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة قال إن التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحماس يدعو للارتياح وأيضا إلى النظر مليا في الوضع المحزن على الأرض. وشدد على ضرورة عدم نسيان أن سكان غزة - طوال هذه الشهور الخمسة عشر - دفعوا ثمنا لذلك بحياتهم. وقال إن عدد المدنيين الذين قُتلوا في غزة لم يشهد العالم له مثيلا منذ الحرب العالمية الثانية.
وأضاف أن "وقف سفك الدماء ذلك كان يجب أن يتوقف منذ وقت طويل. لكن كل محاولة من مجلس الأمن لاعتماد قرار يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار قوبلت باستخدام الفيتو من واشنطن التي كانت تشير إلى ما سُمي بالدبلوماسية الهادئة وفعلت كل ما يمكن لضمان أن مجلس الأمن لم يوقف أعمال إسرائيل على الأرض".
وقال السفير الروسي إن بلاده - منذ بدء الأزمة في غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2023 - مع الدول التي تشاركها مواقفها، سعت مرارا إلى التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار وتوصيل المساعدات لجميع المحتاجين إليها. وأعرب عن خيبة الأمل لعدم تمكن مجلس الأمن من تنفيذ ولايته بسبب "أفعال دولة واحدة دائمة العضوية".
وذكر أن الاتفاق الراهن لا يختلف بشكل كبير عن الاتفاق الذي تمت مناقشته في كانون الأول/ديسمبر 2023. وتساءل عما إذا كان إجراء بعض التعديلات على تفاصيل الاتفاق يستحق خسارة آلاف الأرواح في غزة منذ ذلك الوقت.
وأعرب عن أمله في أن يمهد الاتفاق الطريق لاستقرار الوضع في غزة، وعودة الأعداد الكبيرة من النازحين لمنازلهم بعد أن اضطروا إلى النزوح مرات عديدة، وإعادة بناء غزة، ولم شمل الرهائن الإسرائيليين والسجناء الفلسطينيين مع أسرهم. وجدد القول إن وقف إطلاق النار في غزة شرط مسبق للاستقرار في المنطقة بأسرها.