كوفيد-19: المرأة في صدارة الأمر وجوهره.. بيان صادر عن فومزيلي ملامبو-نكوكا، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والمديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة
٢٩ مارس ٢٠٢٠
نحن بحاجة إلى استراتيجيات التخفيف التي تستهدف على وجه التحديد الآثار الصحية والاقتصادية لتفشي مرض كوفيد-19 في النساء والتي تبني قدرة المرأة على الصمود وتدعمها.
إن كان هناك شيء واحد واضح وبيّن بشأن جائحة كوفيد-19، التي تسببت في انهيار أسواق الأسهم، وإغلاق المدارس والجامعات، وهروع الناس لتخزين السلع وتحويل البيوت إلى مساحات مكتظة ومختلفة، فهو أن هذه ليست مجرد مشكلة صحية، بل هي بمثابة صعقة لمجتمعاتنا واقتصاداتنا تكشف عن أوجه القصور في الترتيبات العامة والخاصة التي تعتمد في عملها حاليًا على اضطلاع المرأة بأدوار متعددة غير مأجورة.
إننا نثني على جهود الحكومات التي تتخذ إجراءات استثنائية لوقف انتشار العدوى والقيادات القوية، من القواعد الشعبية إلى رؤوساء الدول، التي تقدم استجابات محددة الأهدف كالمستشارة ميركل ورئيسة الوزراء سولبرج اللتان عملتا على معالجة القلق العام، ورئيسة الوزراء أرديرن التي تولي أهمية للرفاه العام في صياغة التدابير الاقتصادية.
ومع بقاء الأطفال خارج المدرسة، قد تستمر الأمهات في العمل في المنزل. ولكن أصبح العديد منهن أيضًا معلمات ومقدمات رعاية، مع ما يترتب على ذلك من عواقب لاولئك اللواتي سبق لهن الاضطلاع بتلك الأدوار. وبالنسبة لـ 8.5 مليون عاملة منزلية مهاجرة، واللواتي غالبًا ما تكون عقودهن غير مضمونة، فإن فقدان الدخل يؤثر أيضًا في من يقمن بإعالته. تُبلغ النساء المهنيات مثل سونغ سو يونغ، وهي أم من كوريا الجنوبية، عن معضلة هن بصددها والمتمثلة في الحاجة إلى العودة إلى مكاتب العمل فيما يتعين عليهن التخلي عن ذلك لتمكين شركائهن ذوي الدخل الأعلى من العمل المستمر. ومع إغلاق المدارس في المزيد من البلدان، يرتفع عدد الأمهات اللواتي يواجهن مثل تلك المعضلة في جميع أنحاء العالم وتتراكم العواقب.
بحلول منتصف مارس، كان هناك 207,855 حالة مؤكدة في 166 دولة أو منطقة أو إقليم. وفي غياب البيانات المصنفة حسب الجنس، فإن هذه الأرقام تخبرنا فقط جزءًا عن مدى تأثير الوباء في النساء والرجال. نحن بحاجة إلى المزيد من البيانات المصنفة حسب الجنس لمتابعة تطور الوضع، بما في ذلك معدلات العدوى المختلفة، والآثار الاقتصادية المتفاوتة، وعبء الرعاية المتباين، وحوادث العنف المنزلي والاعتداء الجنسي.
وعلى صعيد آخر، ترشدنا الخبرة المكتسبة من الأوبئة الكبيرة السابقة إلى نقاط قوة ونقاط ضعف معينة يمكننا من خلالها اتخاذ اجراءات الحماية على نحو استباقي. عندما تضمن الحكومات أو الشركات حماية الدخل، يمكن أن يخفف هذا من حدة هذه المعضلات ويحافظ على الدخل ويُجنب الأسر الوقوع في براثن الفقر. يجب أن تشمل هذه الاستجابة أيضًا العاملين في الاقتصاد غير الرسمي، الذي تعمل تحت مظلته معظم النساء اللاتي يعملن خارج المنزل لتأمين سبل العيش. فيفضل توجيه تدابير هذه الحماية الاجتماعية إلى النساء بشكل خاص.
يوفر تفشي فيروس إيبولا2014-16 في دول غرب إفريقيا، غينيا وليبيريا وسيراليون، ووباء زيكا 2015-2016 في أمريكا اللاتينية دروسًا أساسية في الصحة العامة المراعية للنوع الاجتماعي والاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية. فتعرضت المرأة في تلك الفاشيات لمخاطر ليست صحية فحسب بل واقتصادية أيضًا، بطرق مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بأدوارهن في المجتمع ومسؤولياتهن كمقدمات للرعاية داخل المنزل والأسرة، ونحن نشهد وضعًا مماثلًا الآن.
على سبيل المثال، على الرغم من الآثار الكارثية المحتملة لفيروسي إيبولا وزيكا على النساء الحوامل، كان الوصول آنذاك إلى خدمات تنظيم الأسرة محدودًا للغاية، وتم استبعاد النساء الحوامل والمرضعات من التطعيم ضد الفيروسات. وهذا يؤكد أهمية استدامة خدمات صحة الأمهات لتجنب عودة انتشار الوفيات المرتبطة بالولادة، وأهمية تكافؤ فرص وصول المرأة إلى تطوير جميع المنتجات الطبية واستخدامها، بما في ذلك اللقاحات فور إنتاجها.
تمثل النساء 85 في المائة من تجار الأسواق اليومية في ليبيريا، وعندما فُرضت قيود التنقل المتعلقة بالإيبولا، حد ذلك من المعاملات التجارية وتأثرت السلع القابلة للتلف مما ألحق ضررًا كبيرًا في سبل كسب رزقهن وأمنهن الاقتصادي. في ذلك الوقت، استطعنا، بالتعاون مع البنك المركزي الليبيري، من مساعدة الآلاف من التاجرات العابرات للحدود لإنقاذ أعمالهن وتوسيعها من خلال التحويلات النقدية عبر تقنيات الهاتف المحمول. وهذا يوضح أهمية دور المرأة في تدابير التعافي، والاستخدام المبتكر للتكنولوجيا لحل المشاكل.
إنها لحظة يتعين على الحكومات فيها أن تدرك ضخامة المساهمة التي تقدمها النساء والوضع الاقتصادي المهدد للكثير منهن. وهذا يشمل التركيز على القطاعات التي تكون فيها النساء أكثر تمثيلًا وأقل أجرًا، مثل العاملات بأجر يومي، وصاحبات الأعمال الصغيرة، والعاملات في قطاعات التنظيف، والرعاية، والصرف، وتجهيز الأطعمة وفي الاقتصاد غير الرسمي.
على الصعيد العالمي، تشكل النساء 70 في المائة من العاملين في الخطوط الأمامية في القطاع الصحي والاجتماعي، مثل الممرضات والقابلات، وعاملات النظافة والعاملات بمجالات غسل الملابس. نحن بحاجة إلى استراتيجيات التخفيف التي تستهدف على وجه التحديد الآثار الصحية والاقتصادية لتفشي مرض كوفيد-19 في النساء والتي تبني قدرة المرأة على الصمود وتدعمها، كما رأينا في ليبيريا وأماكن أخرى. ولجعل هذه الاستجابات مصممة بشكل جيد قدر الإمكان، يجب أن تشارك المرأة بشكل كامل في وضعها، وأن تكون متلقية ذات أولوية للمساعدة، وشريكة في بناء الحلول على المدى الطويل.
نحن نتعلم المزيد كل يوم من التجربة في الصين. فقد عملنا بشكل وثيق هناك مع القيادة القطرية كجزء من الاستجابة الجماعية للأمم المتحدة. واستطاعت الحملات المشتركة أن تصل إلى مليار شخص، بواسطة كافة طرق التواصل التي تعمل على زيادة الوعي من خلال نشر معلومات الصحة العامة، ومكافحة الوصم والتمييز، وعكس الاحتياجات الخاصة بالمرأة وتعزيز قيادتها ومساهماتها، ووضع خطط التعافي التي تربط بين المساواة والصحة والاقتصاد.
أشعر بفخر لما أن فريق هيئة الأمم المتحدة للمرأة كان هناك في كل خطوة على الطريق ليضمن إتاحة الوصول إلى المعلومات المراعية للنوع الاجتماعي ويكفل التعاون مع الوكالات الشقيقة مثل صندوق الأمم المتحدة للسكان الذي كان يحشد الدعم للنساء الحوامل وتهيئة الظروف الآمنة للولادة. نحن نعمل أيضًا مع المنظمات النسائية في جميع أنحاء العالم، على سبيل المثال مع اللاجئين واللاجئات في الروهينجا في كوكس بازار (بنغلاديش) حيث يمكن أن تفتقر النساء، خاصة في البيئات شديدة العزل، إلى إمكانية الوصول إلى المعلومات التى لا غنى عن معرفتها الآن. وهنا، قامت النساء بتنظيم أنفسهن في شبكة لتعليم النساء والفتيات كيفية الحفاظ على سلامتهن وتجنب العدوى.
نحن نبذل تلك الجهود سويًا، سواء كان ذلك في القطاع العام أو الخاص، ونحتاج إلى اتباع نهج متسق يركز على الناس لبناء قدرات النظام الصحي بسرعة في البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء، وبذل جهدٍ واعٍ لوضع المرأة في صدارة الأمر وجوهره. فعلى سبيل المثال، يجب إتاحة وصول أفضل لمعدات الحماية الشخصية المناسبة لمقدمات الرعاية في المنزل، وإزالة العقبات التي تعيق عملهن، من خلال تعزيز ترتيبات العمل المرنة، وضمان إمدادات منتجات النظافة الشخصية المرتبطة بالطمث. تعظُم أهمية تلك الاحتياجات في المناطق التي يلزم فيها البقاء بالمنازل أو الحجر الصحي، وكذلك اعتبارات العنف ضد المرأة الذي تفاقمه هذه الظروف، بيد أنها قد لا تحظى بالاهتمام المُتّطلب في خضم الاستجابة للوباء.
ولا ننسى أن العنف ضد المرأة هو وباء بالأصل متفشي في جميع المجتمعات، دون استثناء. كل يوم، في المتوسط، تقتل 137 امرأة على يد أحد أفراد أسرتها. كما نعلم أن مستويات العنف المنزلي والاستغلال الجنسي تتصاعد عندما توضع الأسر تحت ضغوط متزايدة ناجمة عن مخاوف تتعلق بالأمن والصحة والمال وظروف المعيشة الصعبة. نرى هذا بشكل متكرر في مخيمات اللاجئين المكتظة. وقد تضاعف العنف المنزلي المبلغ عنه ثلاثة مرات في الآونة الأخيرة في بعض البلدان التي تمارس العزل الاجتماعي.
أصبح العنف في الفضاء الحاسوبي أيضًا أمرًا روتينيًا على الإنترنت، فمع زيادة القيود المفروضة على التنقل شهدنا ارتفاعًا في استخدام ألعاب الإنترنت وغرف الدردشة، وهذا جانب يستدعي ضرورة توخي الحذر لحماية الفتيات. يمكن للفتيات أيضًا تكثيف ما يقومن به من أجل المقاومة بواسطة فضاء الإنترنت، وأن يقومن بقيادة حلول على مواقع التواصل الاجتماعي. مثلما حدث في الصين، انطلق الهاشتاغ #AntiDomesticViolenceDuringEpidemic (مناهضة العنف المنزلي خلال فترة تفشي الوباء)، مما يساعد على اعتبار العنف كخطر أثناء الحجر المنزلي وربطه بالموارد المتاحة عبر الإنترنت.
توفر لنا جائحة كوفيد-19 فرصة لاتخاذ إجراءات جذرية وإيجابية لتصحيح عدم المساواة المتأصلة في مجالات متعددة من حياة المرأة. هناك فرصة ليس فقط لزيادة القدرة على التحمل، ولكن للانتعاش والنمو، لذا أطلب من الحكومات وجميع الجهات المسؤولة عن تقديم الخدمات بما في ذلك القطاع الخاص أن ينتهزوا هذه الفرصة لتخطيط استجابتهم لهذا الفيروس كما لم يفعلوا من قبل، وأخذ منظور النوع الاجتماعي في الاعتبار كليًا، وبناء الخبرات فيما يخص النوع الاجتماعي بشكل استباقي في فِرق الاستجابة وتضمين الأبعاد المعنية بالنوع الاجتماعي في خطط الاستجابة. فيمكن على سبيل المثال، تضمين "التمويل الدافق" لمراكز إيواء النساء حتى يتمكنوا من توفير الدعم للنساء اللواتي يحتاجن للهروب من العلاقات العنيفة، وتوجيه الدعم الاقتصادي وعمليات الإنقاذ على وجه التحديد إلى قطاعات البيع بالتجزئة، والضيافة والأعمال التجارية الصغيرة حيث يتم توظيف النساء في الغالب بعقود غير ثابتة، إن وجدت بالأصل، وحيث يكن الأكثر عرضة لإجراءات توفير التكاليف قسريًا.
يتطلب كل هذا تمويلًا؛ تحتاج المنظمات التي تستجيب لـجائحة كوفيد-19 إلى موارد مدرجة في الميزانية لإدماج الأبعاد المتعلقة بالنوع الاجتماعي والشمول الاجتماعي، وأحث الجهات المانحة على الحرص على تضمين ذلك في دعمهم واعتباره بمثابة عنصر ثابت لما له من آثار إيجابية كبيرة وذلك في كافة الميزانيات المعنية بالتنمية وكذلك تعزيز الدعم لا خفضه فيما يخص إجراءات المساواة بين الجنسين.
تحتاج المنظمات التي تخدم النساء إلى المساعدة لتعزيز استجابتها والإعداد للتعافي. ويتطلب ذلك موارد تفتقر إليها العديد من المنظمات، فنناشد الجهات الممولة بتعزيز دعمهم للمرأة بدلًا من اتباع نهج التقشف. هناك حاجة إلى استجابة عالمية ومنسقة بحجم تلك التي أعقبت الأزمة المالية، مبنية من منظور يراعي النوع الاجتماعي وشاملة كليًا.
هذا وقت الحساب لقيمنا الوطنية والشخصية والاعتراف بقوة التضامن لتأمين الخدمات العامة للمجتمع برمته. إنها فرصة لإعادة بناء مجتمعات أفضل وأقوى وقادرة على الصمود ومتساوية. لقد حان الوقت لتحديد الأولويات بجرأة. إن من شأن اتخاذ الخطوات الصحيحة الآن نحو مستقبل متعافٍ أن يجلب الراحة والأمل لنساء العالم.