بحضور أممي مؤثر.. منتدى أسوان يختتم أعماله بدعوة إلى جعل السلام والتنمية والعمل المناخي في أفريقيا أولوية
أفريقيا تواجه أزمات غير مسبوقة ومتعددة الأبعاد، والمنتدى كان بمثابة منصة مهمة لإيصال صوت القارة.
القاهرة - التنمية والسلام والعمل المناخي في أفريقيا ينبغي أن تبقى على رأس أولويات المجتمع الدولي على رغم التغيرات والتحديات الطارئة على الساحة الدولية وخاصة الحرب في أوكرانيا.. كانت هذه هي الرسالة الرئيسية التي أجمع عليها المشاركون في منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين في نسخته الثالثة، والذي احتضنته مدينة القاهرة نهاية يونيو/حزيران، وسط حضور أممي متنوع وفعال.
وتكتسب نسخة منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين لهذا العام أهمية خاصة كونها خطوة مهمة على الطريق نحو مؤتمر الدول الأطراف في شرم الشيخ نهاية العام الجاري. وتحت عنوان "أفريقيا في عصر المخاطر المتتالية وقابلية تأثر المناخ: مسارات لقارة سلمية ومرنة ومستدامة". وعلى مدار يومين، سلطت النقاشات التي شارك فيها قادة سياسيون وممثلون للمنظمات الدولية والإقليمية والمجتمع الأكاديمي والشباب والمرأة، الضوء على التحديات المختلفة التي تواجه القارة وسبل مواجهتها.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أكد على هذا المعنى في كلمته إلى المنتدى، إذ قال إن المُناقشات التي يشهدها الحدث تمثل فرصة مهمة للاستمرار في إيصال صوت القارة الأفريقية إلى جميع الشركاء والفاعلين على الصعيد الدولي، وخاصة فيما يتعلق بتحديات المناخ وأزمة الغذاء العالمية والتهديدات للسلم والأمن في القارة. وأوضح: "يُمثل المنتدى فرصة مهمة لتسليط الضوء على الدور الذي يضطلع به تغير المناخ في مضاعفة تحديات السلم والأمن في أفريقيا، لاسيما أن قارتنا تُعد الأكثر عرضة لآثاره السلبية، خاصة فيما يتعلق بمشكلات التصحر وندرة المياه والموارد الطبيعية وما يرتبط بذلك من تقويض لجهود التنمية إضافة إلى العواقب الخاصة باستغلال الجماعات الإرهابية للسيطرة على موارد القارة."
وطالب الرئيس المصري بـ "الإسراع في تنفيذ التعهدات والالتزامات الدولية تجاه قارتنا، الخاصة بالتكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ ومضاعفة التمويل الدولي المخصص له وتعزيز القدرة على الصمود التي من شأنها أن تسهم بشكل مباشر وفعال في ضمان جهود السلام واستدامته.
أزمات غير مسبوقة متعددة الأبعاد
وفي كلمة مسجلة بالفيديو إلى المنتدى، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، إن شعوب القارة تواجه أزمات "غير مسبوقة ومتعددة الأبعاد". تشمل هذه التحديات الأزمة الاقتصادية التي أثارتها جائحة كوفيد-19 والتي تفاقمت جراء الارتفاع الجنوني في أسعار الغذاء والطاقة والأسمدة بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، وغياب عدالة اللقاحات وأزمة مالية مع عدم قدرة بعض الدول على الحصول على حزم تخفيف من الديون أو تمويلات للتعافي، وأزمة عدم استقرار وإرهاب وصراع، إضافة إلى تغير المناخ.
وقال السيد جوتيريش إنه "ينبغي العمل الآن" لإنهاء الجائحة وتوسيع وصول بلدان أفريقيا إلى التمويل وتخفيف الديون، ليتمكنوا من الاستثمار في خلق فرص العمل والحد من الفقر وتوسيع الحماية الاجتماعية وتحقيق الأمن الغذاء والنمو الأخضر. كما أكد على الحاجة إلى "إسكات البنادق" في شتى أنحاء أفريقيا والتصدي للأسباب الجذرية العديدة للصراع، عبر معالجة أوجه عدم المساواة والتمييز وتعزيز الحوكمة وأنظمة العدالة.
لكن القارة بحاجة إلى عمل مناخي جريء، بحسب الأمين العام حيث أشار إلى أن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ حددت أفريقيا كبقعة ساخنة لأزمة المناخ، ولهذا فإن تجاوز هدف اتفاق باريس المحدد بـ 1.5 درجة مئوية سيكون كارثيا.
خمس خطوات يُمكن أن تقود لثورة في الطاقة المتجددة
وقدم الأمين العام مقترحا من خمس نقاط لتحقيق "ثورة في الطاقة المتجددة"، يشمل أولا، إتاحة تكنولوجيا الطاقة المتجددة بالمجان، وعمل الأمر ذاته مع المكونات والمواد الخام المطلوبة، وثانيا إصلاح البيروقراطيات لتشجيع الاستثمار في الطاقة المتجددة، وثالثا تحويل الدعم من الوقود الأحفوري إلى دعم المجتمعات الأكثر ضعفا بينما يبنون اقتصادات خضراء، ورابعا زيادة الاستثمارات العامة والخاصة بواقع ثلاثة أضعاف لتصل إلى 4 تريليون دولار أمريكي سنويا على الأقل. وقال الأمين العام إن رغم الإمكانيات الهائلة للقارة في مجال الطاقة المتجددة، فقد استقبلت فقط 2 في المائة من الاستثمارات في هذا المجال على مدى العقد المنصرم. ولهذا فإن على الدول – والحديث للأمين العام - أن تأتي إلى مؤتمر الأطراف في مصر بتصميم وخطط واضحة لسد تلك الفجوة المالية.
وخامسا، طالب الأمين العام بدعم عمل المنظمة العالمية للأرصاد الجوية لضمان وصول جميع الأشخاص في العالم إلى نظم الإنذار المبكر على مدى السنوات الخمس الماضية.
تغير المناخ بات محركا إضافيا للصراعات في أفريقيا
التشابك ما بين أزمة المناخ وتأثيراتها على السلم والأمن في القارة، كان من أبرز القضايا التي تمحور حولها النقاش في منتدى أسوان، وكانت موضوع جلسة نقاشية بعنوان "تعزيز العلاقة الترابطية بين التكيف وبناء السلام" شاركت فيها وزيرة البيئة المصرية ياسمين فؤاد إلى جانب المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، غادة والي، ومساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لدعم بناء السلام في إدارة الأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام، إليزابيث سبيهار، والسيد ماغنوس نيلسون سكرتير الدولة لوزيرة الخارجية آن ليند بمملكة السويد، والسيدة سوزان بينياز نائبة المبعوث الخاص للمناخ بوزارة الخارجية الأمريكية، فيما أدار الجلسة السفير محمد نصر، مدير إدارة البيئة والتنمية المستدامة في وزارة الخارجية المصرية.
وقالت الوزيرة المصرية إنه "لم يكن أحد يتوقع عند إعلان اتفاقيات ريو الثلاث ومنهم اتفاقية تغير المناخ في ١٩٩٢ ان يأتي اليوم الذي نناقش فيه تأثير تغير المناخ على الصراعات وعمليات النزوح والتهديدات الأمنية،" لافتة إلى أن نتائج التقرير الأخير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تبين نزوح ٢٠ مليون نسمة داخليا منذ عام ٢٠٠٨ جراء آثار تغير المناخ، كما شهدت بعض المناطق بقارتي أفريقيا وآسيا ظواهر بيئية حادة كالفيضانات والجفاف والأعاصير خلال العقد الماضي بزيادة ١٥ ضعفا.
وتابعت أن أجندة مؤتمر الدول الأطراف في شرم الشيخ ستركز على عدد من القضايا المرتبطة بقضية الأمن، إذ أن الوصول للطاقة والانتقال العادل لها في قارة أفريقيا يرتبط مباشرة بتحقيق الأمن والاستقرار، موضحا أن مصر تسعى لتقديم نموذج هام في المؤتمر يرتكز على رابطة الطاقة والغذاء والمياه، من خلال حزمة المشروعات الأولى ذات الأولوية المنبثقة عن الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ ٢٠٥٠، والتي لا تسعى فقط لتحقيق الانتقال العادل للطاقة المتجددة ورفع الطموح فيه، وإنما أيضا الاستفادة منها في تأمين الغذاء واتاحة المياه من خلال تحلية مياه البحر، مشيرة إلى الانتهاء أمس من إعداد حزمة المشروعات لتقديمها إلى الشركاء لوضع فكرة تحقيق رابطة الطاقة والغذاء والمياه موضع التنفيذ، وتقديم نموذج رائد للدول الأكثر تأثرا بتغير المناخ للبناء عليها.
من جهتها، قالت السيدة سبيهار في مقابلة مع مركز الأمم المتحدة للإعلام في القاهرة، إن من الأهمية بمكان تسليط الضوء على مسألة "انعدام الأمن المناخي" في أفريقيا وكيف يُمكن أن تنعكس آثارها على جهودنا من أجل الوصول إلى قارة سلمية ومستدامة. ونبهت المسؤولة الأممية إلى أن تغير المناخ بات محركا إضافيا للصراعات في أفريقيا، بقولها، "نحن نرى أنه في السياقات الضعيفة في البلدان المتأثرة بالصراع، تكون تلك البلدان ضمن الأقل استعدادا للتعامل مع الآثار العديدة والمتفاوتة لتغير المناخ. كما أننا نرى أن تغير المناخ يصبح على نحو متزايد في أفريقيا وفي غيرها من الأماكن عامل ضغط إضافي ومحركا للصراعات. ولهذا، مرة أخرى، نحن مهتمون بدراسة ما الذي يُمكن لنا عمله لدعم البلدان للتعامل مع هذا العامل الإضافي للتوترات والذي يتسبب فيه انعدام الأمن المناخي في كثير من الأحيان.
The implications of #climatechange on peace & security in #Africa was one of the key topics discussed by the @AswanForum.
— UNIC Cairo (@UNICCairo) June 24, 2022
📹Watch: @UN ASG for @UNPeacebuilding @UNDPPA, @ElizabethSpehar on the #Climate Adaptation and Peacebuilding Nexus.
@CairoPeaceKeep
#AswanForum pic.twitter.com/dMK22C5ttc
دور الشباب حاسم
تمكين أصوات الشباب من أنحاء أفريقيا، وتسليط الضوء على مبادراتهم وحلولهم الهادفة إلى خلق مستقبل مرن مناخيا وآمن والبناء عليها، كان هدف جلسة نقاشية ضمت طيفا متنوعا من الشباب والشابات من مختلف أنحاء القارة، مع حضور أممي قادته السيدة فريدريكا ماير، مُمثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان في مصر.
وفي رسالة مُسجلة بالفيديو إلى الجلسة، قالت مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة للشباب جاياثما ويكراماناياكي، إن "تهيئة مستقبل مرنا مناخيا وبناء مجتمعات آمنة هما وجهان لعملة واحدة. ولهذا فإن مواصلة العمل كالمعتاد لم يعد كافيا." وأضافت: "يجب أن نتبنى نُهجا متكاملة وبرامج مشتركة بين الأجيال. نعلم أن لدى أفريقيا أكبر عدد من الشباب في العالم، وهم يشكلون جزءا كبيرا من تاريخ القارة وتنوعها."
The @AswanForum provided a unique platform for young advocates from across #Africa to voice their views & share solutions for a peaceful, sustainably developed and climate resilient continent.
— UNIC Cairo (@UNICCairo) July 4, 2022
Desmond Alugnoa is one of them!
📹👇#AFYouthDialogue #AswanForum@CairoPeaceKeep pic.twitter.com/1SmE0eeDzG
تطرق المشاركون في الجلسة التي أدارتها مريم علام، مستشارة الرئاسة المصرية للدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الدول الأطراف COP 27، إلى التحديات العديدة والأزمات متعددة الأبعاد التي تواجهها القارة، من جائحة كوفيد-19 إلى أزمة المناخ والصراعات المسلحة طويلة الأمد، والتي يتطلب مواجهتها نهجا جماعيا يضمن إشراك الشباب والاستعانة بابتكاراتهم وحلولهم، على نحو ما ورد بتقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول خطتنا المشتركة.
الشاب الغاني ديزموند ألوجنوا، وهو من أنصار العمل المناخي في أفريقيا، قال لمركز الأمم المتحدة للإعلام في القاهرة إن من الأهمية بمكان تعميم أصوات الشباب من خلال أجندات فعاليات كبرى كمنتدى أسوان. وأوضح: "الشباب هم حجر الأساس إذا كنت تريد مكافحة الجريمة في أفريقيا، وتعزيز أولوياتنا فيما يتعلق بالتكيف مع آثار تغير المناخ. هذه فرصة مهمة لنا، نحن الشباب، خاصة وأن مصر ستستضيف الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، لرسم استراتيجية لإدماج الشباب وحتى الأطفال."
الأمر ذاته أكدت عليه السيدة فريدريكا ماير، الممثلة القُطرية لصندوق الأمم المتحدة للسكان في مصر، والتي تحدثت لمركز الأمم المتحدة للإعلام في القاهرة، عن أهمية أن يكون الشباب ممثلون في أي حوار معني بالسياسات والتغييرات التحويلية في مجتمعاتهم.
وقالت: "فقط من خلال إشراك الشباب في التغييرات الجارية في مجتمعاتهم، يُمكننا أن نضمن تمكينهم لإحداث التغيير الذي نريده. للشباب دور حاسم في تحقيق أجندة 2030 للتنمية المستدامة، لأنها تعني مستقبلهم. لذلك يجب أن نسعى لإفساح المجال لهم." أما رامي يعقوب، من مصر، فتحدث عن الحاجة إلى بناء القدرات للشباب ليكونوا قادرين على المشاركة في عمليات صنع القرار. وقال: "يجب أن نبدأ العمل الآن. أحث الحكومات والمنظمات على زيادة مبادرات بناء القدرات. كما ينبغي أن يكون للشباب دور في عمليات المراقبة والتقييم."