تعددية الأطراف في عالم متغير
كلمة المُنسقة المقيمة للأمم المتحدة في مصر في معهد الدراسات الدبلوماسية.
سعادة السفير بدوي،
سعادة السفير حجاج،
سعادة السفير بيرغر،
زملائي الأعزاء، السيدات والسادة،
إنه لمن دواعي سروري أن أكون هنا معكم اليوم، شكرا لكم على هذه الدعوة الكريمة. وشكرا لمعهد الدراسات الدبلوماسية ووفد الاتحاد الأوروبي على تنظيم هذا الحدث الهام الذي جاء في الوقت المناسب.
في البداية وأود أن أهنئ جميع الدبلوماسيين الجدد المسجلين في معهد الدراسات الدبلوماسية. أولا، للانضمام إلى نداء الخدمة العامة. وهذا شيء يوحدنا جميعا هنا. وثانيا، للانضمام إلى منظومة شؤون خارجية من الطراز الأول، تظل في طليعة الدبلوماسية المتعددة الأطراف.
إن مصر، كعضو مؤسس للأمم المتحدة، تمتلك سجلا حافلا على مدى السنوات ال 77 الماضية، كشريك متعدد الأطراف يتحلى بالمسؤولية والموضوعية والالتزام.
اليوم تعد مصر سادس أكبر مساهم في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام. ويعود الدور القيادي التاريخي لمصر إلى تأسيس حركة عدم الانحياز، ويظهر حتى الآن في صوت سلطة مصر في مجموعة ال 77 وقد تم تجسيده من قبل شخصيات بارزة مثل الدكتور مصطفى كمال طلبة، والدكتور بطرس بطرس غالي، واليوم من قبل وكيل الأمين العام للأمم المتحدة غادة والي.
وينعكس هذا في الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة ويؤكده تقديم مصر ثلاثة استعراضات وطنية طوعية إلى منتدى الأمم المتحدة الرفيع المستوى المعني بالتنمية المستدامة، وهو ما حظي بإشادة دولية.
وتستضيف مصر بحفاوة 38 مكتبا من مكاتب الأمم المتحدة، تضم أكثر من 2300 موظف. ويمكن اعتبار القاهرة إحدى المراكز الرئيسية للمنظمة.
وفضلا عن ذلك، فإن التزام مصر المستمر يتجلى في استضافتها لمؤتمر المناخ العالمي COP27 في شرم الشيخ.
والموقع ذاته الذي نجتمع فيه اليوم هو بمثابة برهان على دور على صعيد تعددية الأطراف. فعلى الجانب الآخر من الطريق تقع جامعة الدول العربية، وهي منظمة إقليمية رئيسية متعددة الأطراف. ويوجد في الجوار مركز القاهرة الدولي لتسوية النزاعات وحفظ السلام وبناء السلام، وهو مركز أفريقي مهم للتميز والقوة الدافعة وراء منتدى أسوان السنوي للسلام والتنمية المستدامة.
وسأكون مقصرة إذا لم أعترف بشريكنا الأوروبي في هذا الحدث. والاتحاد الأوروبي ذاته هو دليل على الكيفية التي يمكن بها لتعددية الأطراف أن تحقق السلام والرخاء.
وسأشرع الآن في مشاركتكم تأملاتي بشأن تعددية الأطراف في تناول ثلاثة أسئلة.
أولا: لماذا نحتاج اليوم إلى تعددية الأطراف؟
ثانيا: ما الذي ينبغي أن تركز عليه جهودنا المتعددة الأطراف؟ ما هو جدول أعمال الأمم المتحدة؟
وثالثا: كيف نساهم في هذه الأجندة بصفتنا الأمم المتحدة، عالميا وفي مصر؟
واسمحوا لي أن أتوقف هنا بإيجاز، لأذكّر بما أعنيه بتعددية الأطراف.
إن تعددية الأطراف هي نهج للسياسة الخارجية، حيث تتعاون الدول مع بعضها البعض لتعزيز الأهداف المشتركة وتحقيق التوازن وتنظيم المصالح المتنافسة. وبعبارة أدق، إنه التزام بنظام دولي قائم على القواعد والتعاون الدولي وفقا لمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.
إذن، لماذا نحتاج إلى تعددية الأطراف اليوم؟ لأن التحديات التي تنتظرنا، كبشر، وكمجتمع عالمي، كبيرة ومعقدة للغاية، فلا يمكن للبلدان وحدها التصدي لها. وعلى حد تعبير الأمين العام، أنطونيو غوتيريش، "في أكبر اختبار مشترك لنا منذ الحرب العالمية الثانية، تواجه البشرية خيارا صارخا وعاجلا: انهيار أو انفراجة،" مضيفا إلى أن التحديات خطيرة، "من أزمة المناخ إلى تكاثر الصراعات - بما في ذلك الحرب المستمرة في أوكرانيا. إدارة أسلحة الدمار الشامل؛ حالات الطوارئ الصحية مثل كوفيد؛ النظام العالمي لحماية اللاجئين".
لا توجد أمة محصنة. وهذا هو بالضبط السبب في أننا بحاجة إلى العمل معا، ولهذا السبب نحتاج إلى تعددية الأطراف. لأنه لا توجد دولة قادرة على حل التحديات التي تنتظرنا وحدنا.
وأنتقل إلى نقطتي الثانية. ما الذي ينبغي أن تركز عليه جهودنا المتعددة الأطراف؟ ما هو جدول أعمال الأمم المتحدة؟ توفر الاتفاقيات الكبيرة من عام 2015، وخطة التنمية المستدامة لعام 2030 مع أهداف التنمية المستدامة ال 17 بالإضافة إلى اتفاق باريس بشأن تغير المناخ معا دليلنا الإرشادي.
وبوصفها جداول أعمال عالمية، فإنها توفر لنا قائمة عالمية للإجراءات التي يتعين على جميع البلدان القيام بها.. تأسست أهداف التنمية المستدامة واتفاق باريس على الاعتراف بأنه لا يمكننا فصل القضاء على الفقر عن العمل المناخي والاستدامة. ونظرة المجتمع العالمي في هذه الاتفاقات التي تم تقنينها هي أنه لكي يتمكن جميع الناس من تحقيق حياة كريمة ومزدهرة، نحتاج إلى التفكير في كوكبنا وبيئتنا.
لهذا نحتاج إلى تجديد الجهود لتحقيق جميع أهداف التنمية المستدامة في كل مكان وتسريع وتيرة تنفيذ اتفاق باريس. ولهذا نرحب أيضا بتقديم مصر لمؤتمر الدول الاطراف COP27 كمؤتمر للتنفيذ. نحن في أمس الحاجة إلى تحقيق الالتزامات التي قطعناها.
وبصفتنا الأمم المتحدة، فإن منظور عملنا يأتي أيضا من أميننا العام، أنطونيو غوتيريش، في الرؤية المقدمة في تقريره "خطتنا المشتركة"، الذي صدر قبل عام. هذا تقرير أعده الأمين العام بناء على طلب الدول الأعضاء في الإعلان للاحتفال بالذكرى السنوية ال 75 لإنشاء الأمم المتحدة. خطتنا المشتركة هي برنامج عمل مصمم لتسريع تنفيذ الاتفاقات القائمة بما في ذلك أهداف التنمية المستدامة. وسلط الأمين العام الضوء على ستة مجالات رئيسية:
- يسلط الضوء على التضامن العالمي لإيجاد طرق جديدة للعمل من أجل الصالح العام، بما في ذلك اتخاذ خطوات عاجلة وجريئة لمعالجة الأزمة الثلاثية المتمثلة في اضطراب المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث الذي يدمر كوكبنا.
- يدعو إلى تجديد العقد الاجتماعي بين الحكومات وشعوبها لإعادة بناء الثقة وتبني رؤية شاملة لحقوق الإنسان. ويشمل ذلك المشاركة المتساوية للنساء والفتيات، وتحديث ترتيبات الحوكمة، ودعوة جميع البلدان إلى إجراء مشاورات استماع وطنية بشأن مستقبل بلدانها.
- ويشير الأمين العام إلى آفة التضليل المعلوماتي الذي ابتلي به عالمنا، ويدعو إلى توافق مشترك في الآراء مدعوم تجريبيا حول الحقائق والعلوم والمعرفة.
- يكشف الأمين العام عن نقطة غير مرئية في كيفية قياس الازدهار الاقتصادي والتقدم. ويشير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي يفشل في استيعاب الدمار البشري والبيئي ويدعو إلى اتخاذ تدابير جديدة لاستكمال الناتج المحلي الإجمالي.
- ويوجه الأمين العام نداء للتفكير على المدى الطويل، وتقديم المزيد للشباب والأجيال القادمة، وإعلان قمة المستقبل وإعلان للأجيال القادمة.
- وأخيرا، يدعو الأمين العام إلى نظام متعدد الأطراف أقوى وأكثر تشابكا وشمولية، يرتكز على الأمم المتحدة، ويقترح خطة جديدة للسلام، واتفاقا رقميا عالميا، وقمة تعقد مرة كل سنتين بين أعضاء مجموعة العشرين والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والأمين العام ورؤساء المؤسسات المالية الدولية.
هذه بعض الاقتراحات الملموسة التي تعتبر أيضا نواة للتفكير لمحادثتنا اليوم.
لقد أعلنها الأمين العام بوضوح عندما أطلق تقريره "خطتنا المشتركة": "نحن لسنا بحاجة إلى بيروقراطيات جديدة متعددة الأطراف. بل نحن بحاجة إلى أن نجعل ما لدينا، بما في ذلك الأمم المتحدة، أكثر فعالية. ونحن بحاجة إلى تعددية أطراف ذات أنياب."
لقد وصلت إلى نقطتي الأخيرة. كيف تساهم الأمم المتحدة في تلك الأجندة عالميا، وكذلك في مصر؟
إن الأمم المتحدة هي إلى حد بعيد أكبر جهة تتولى إيصال المساعدات الإنسانية في العالم. تتواجد وكالات الأمم المتحدة أينما كان هناك صراع، وأينما وجدت الكوارث الطبيعية، بصرف النظر عن المخاطر.
ولقد عملت الأمم المتحدة بنشاط شديد فيما يتعلق بتغير المناخ. وفي اعتقادي، ربما كان الصوت الأقوى فيما يتعلق بتغير المناخ هو صوت الأمم المتحدة.
كما وعملت الأمم المتحدة بنشاط شديد على دفع الإصلاحات في النظام المالي الدولي والضغط من أجل الحاجة لدعم فعال للدول النامية فيما يتعلق بالوضع المأساوي الذي يواجهونه في اللحظة الراهنة.
كذلك، ما فتئت الأمم المتحدة تعمل بفعالية كبيرة في العديد من أوضاع الصراعات، بالقيام بأدوار الوساطة. عملت الأمم المتحدة ولا تزال بدأب لإيجاد حلول ملموسة للمشكلات القائمة حيث تتاح إمكانية الوساطة، علما أن ليس في الإمكان حل مشكلة من المشكلات برمتها في الوقت الراهن. ومن ثم، فإذا كانت هناك لحظة نحتاج فيها للأمم المتحدة أكثر من أي وقت مضى، فإنها لحظتنا هذه، حيث يُمكنكم رؤية الأمم المتحدة حاضرة في كل مكان.
وبالنسبة للأمم المتحدة في مصر.
يُعد وجود الأمم المتحدة في مصر يُعد من بين الأكثر كثافة في المنطقة، بتواجد 38 مكتبا، بما في ذلك 18 مكتبا إقليميا للأمم المتحدة. ومن خلال تتبع تاريخ شراكتها مع مصر من عام 1952، اعتبارا من أوائل عام 2022، توظف الأمم المتحدة أكثر من 2,300 موظف في مصر. لذلك فإن وجود الأمم المتحدة في مصر طويل الأمد مع الحضور الواسع الانتشار يظهر مشاركتنا القوية مع مصر. في المشهد التنموي في مصر، تتميز الأمم المتحدة من خلال ثلاث مزايا نسبية.
أولا، تقدم الأمم المتحدة المشورة المتكاملة في مجال السياسات والدعم البرنامجي لتحقيق تنفيذ أهداف التنمية المستدامة. ومن الأمثلة الممتازة في مجال التكيف مع المناخ تطوير نظام سدود في دلتا النيل يواجه البحر الأبيض المتوسط، باستخدام الحلول القائمة على الطبيعة وإشراك المجتمع المحلي.
ثانيا، تتمتع الأمم المتحدة في مصر بقدرة فريدة كقوة جامعة، باعتبارها شريكا وموثوقا به لفريق الخبراء والمجتمع الدولي ومختلف أصحاب المصلحة في التنمية، مثل المجتمع المدني والقطاع الخاص. ونحن نستفيد من هذه القدرة للجمع بين مختلف الجهات الفاعلة لتنسيق جهود التعاون الإنمائي، وإقامة شراكات مبتكرة، وتوفير القيادة الفكرية بشأن القضايا الاستراتيجية الناشئة. ومن الأمثلة الممتازة على ذلك المنصة المشتركة للمهاجرين واللاجئين في مصر، وهي مبادرة من الأمم المتحدة في مصر والحكومة تجمع بين مختلف الجهات الفاعلة لمساعدة المهاجرين واللاجئين الضعفاء بشكل أفضل وتعزيز قدرة المجتمعات المضيفة لهم على الصمود.
ثالثا، تقدم الأمم المتحدة دعما مباشرا موجها لأشخاص محددين في مصر معرضين لخطر التخلف عن الركب. ويشمل ذلك تقديم الخدمات في مجالات مثل الصحة والتعليم والغذاء والتغذية، للمهاجرين واللاجئين وغيرهم ممن هم في أوضاع هشة. وبهذه الطريقة نسعى إلى الاستجابة لوعد أهداف التنمية المستدامة بعدم ترك أحد خلف الركب.
وأود أن أنهي تأملاتي باقتباس أخير للأمين العام للأمم المتحدة يجسد جوهر التعددية: "لا توجد منظمة عالمية أخرى تعطي الأمل للكثير والكثير من الناس في عالم أفضل، و(الأمم المتحدة) قوية فقط بالتزام أعضائها بمُثُلها العليا وببعضهم البعض.
أشكركم على اهتمامكم الكريم ونتطلع إلى حوارنا.