الأمين العام كلمة أمام مؤتمر القاهرة الوزاري لتعزيز الاستجابة الإنسانية في غزة
٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤
ألقتها نائبة الأمين العام أمينة محمد، بالإنابة عن الأمين العام أنطونيو غوتيريش.
أصحاب المعالي،
أتشرف بإلقاء كلمة الأمين العام. كان ليود أن يكون هنا.
أشكر الرئيس السيسي على عقد هذا المؤتمر العاجل، وأعرب عن امتناني لمصر لما تقوم به من دور قيادي.
فمنذ اليوم الأول، كانت مصر صوتا رائداً في السعي إلى حل سلمي لهذا الصراع.
ومصر هي أيضا مركز حيوي للمساعدة الإنسانية، حيث تدعم إيصال الإغاثة التي تشتد الحاجة إليها إلى غزة في هذا الوقت العصيب.
وإنني أحث المجتمع الدولي على دعم هذه الجهود وبناء أساس لسلام مستدام في غزة وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وهذا هو ما يدور حوله هذا المؤتمر.
فنحن هنا للمساعدة في تأمين زيادة فورية كبيرة في المساعدات اللازمة لإنقاذ الأرواح المقدمة إلى الشعب الفلسطيني، وضمان الاستعداد لوقف محتمل لإطلاق النار، والبدء في وضع الأساس للتعافي وإعادة الإعمار.
وهو أمر يجب التعجيل به إلى أقصى حد.
وفي الوقت الذي نجتمع فيه هنا في القاهرة، تخضع الإنسانية نفسها للاختبار.
وكما قلت مرارا وتكرارا، لا يوجد ما يبرر أعمال الإرهاب البغيضة التي ارتكبتها حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ولا أخذ الرهائن.
ولا شيء يبرر العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني.
ومع ذلك، فإن الظروف التي يعيشها الفلسطينيون في غزة كارثية ومروعة.
وقد أفادت التقارير بمقتل قرابة 44،000 فلسطيني - معظمهم من النساء والأطفال.
وهُجِّر جميع سكان غزة تقريبا، وفي أغلب الأحيان لأكثر من مرة.
سوء التغذية منتشر انتشارا كبيرا.
ففي الأشهر الأربعة الماضية وحدها، تم نقل ما يقرب من 19،000 طفل إلى المستشفيات بسبب سوء التغذية الحاد - ما يقرب من ضعف عدد الحالات التي شهدها النصف الأول من العام.
وخطر المجاعة بات وشيكا.
كما انهار النظام الصحي.
ويوجد في غزة الآن أكبر عدد من الأطفال المبتورة أطرافهم مقارنة بأي مكان آخر في العالم - حيث فقد الكثير منهم أطرافا وأجريت لهم عمليات جراحية بدون تخدير.
وما نراه يحتمل جدا أن يرقى إلى مستوى أخطر الجرائم الدولية.
أصحاب المعالي،
في الوقت الذي نشهد فيه هذه الاحتياجات الهائلة، نشهد أيضا عرقلة يندى لها الجبين لإيصال المساعدات الإنسانية.
وهو أمر ينتهك ما يفرضه القانون الدولي الإنساني من التزامات واضحة باحترام المدنيين وحمايتهم وضمان تلبية احتياجاتهم الأساسية.
كما يناقض العديد من قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن التي تطالب بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار ووصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.
ويتجاهل محكمة العدل الدولية، التي أصدرت أوامر تحفظية ملزمة يجب الامتثال لها.
في أفضل الأحوال، ما يدخل من البضائع حاليا إلى غزه هو أدنى من المستوى المطلوب بصورة جسيمة، ويفتقر كثيرا إلى الاتساق وإمكانية التنبؤ به - ولا يمثل إلا قطرة في محيط من الاحتياجات.
إن ”تقديم المعونة على سبيل الاستثناء“ لا هو إنساني ولا هو فعال في إنقاذ الأرواح.
وأي مساعدات تتسرب إلى الداخل تتعرض لعمليات نهب، وتعرقل إيصالَها الألغامُ الأرضية والذخائر غير المنفجرة، فضلا عن الطرق المدمرة والمكتظة.
ففي الشهر الماضي، في كرم أبو سالم، تم نهب 90 في المائة من شاحنات المساعدات - 98 شاحنة من أصل 109 من الشاحنات.
وقد جاء هذا الانهيار - وما هو أكثر منه - نتيجةً مباشرة للإخفاق في ضمان النظام العام والسلامة العامة.
لكن الأزمة بالنسبة للفلسطينيين لا تزال تتفاقم.
ففي شمال غزة، يزداد الوضع خطورة يوماً بعد يوم.
أما في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، فإن العمليات الأمنية الإسرائيلية لأغراض عسكرية والتوسع الاستيطاني وعمليات الإخلاء والهدم والعنف والتهديدات بالضم تتسبب في المزيد من الآلام والمظالم.
ويظل الفلسطينيون يواجهون قيودا صارمة للغاية تقيّد حركتهم ووصولهم إلى الخدمات وسبل العيش والأراضي الزراعية.
أصحاب المعالي،
إن المجتمع الإنساني يبذل كل ما في وسعه، ولكن العقبات هائلة.
وبات نظام المساعدات نفسه في مرمى النيران.
فمنذ بدء النزاع، قُتل 251 من الزملاء في الأمم المتحدة - جميعهم تقريباً كانوا يعملون في الأونروا.
كما تضررت المنشآت الإنسانية أو دُمرت، بما فيها المستشفيات والمدارس.
هذا أمر غير مقبول على الإطلاق ويجب وضع حد له.
إن الإجراءات الإسرائيلية، بما فيها مشاريع قوانين الكنيست الأخيرة، التي يمكن أن تمنع الأونروا من تنقيذ تفويضها في الأرض الفلسطينية المحتلة، تهدد بشلّ الجهود الإنسانية.
والنتيجة هي مشهد إنساني بائس يتم فيه العصف باحترام أبسط مبادئ التعامل الإنساني.
ولنكن واضحين: فالكابوس الذي تشهده غزة ليس أزمة لوجستية.
إنه أزمة إرادة سياسية وأزمة احترام المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني.
وفي الوقت الذي نناقش فيه مسار العمل في المستقبل، أود التركيز على ثلاثة مجالات رئيسية للعمل.
أولاً - يجب أن نطالب جميع الأطراف بالامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني.
ويجب أن يكون إيصال المساعدات قابلاً للتنبؤ به ومستديما.
ويجب ضمان أمن العاملين في المجال الإنساني والعمليات الإنسانية.
كما يجب إتاحة الوصول إلى جميع المحتاجين أينما كانوا.
ويتعين على الأطراف الالتزام بمسؤوليتها عن إتاحة وتسهيل مرور الإغاثة الإنسانية بسرعة ودون عوائق.
ويجب صون حرمة مباني الأمم المتحدة في جميع الأوقات.
ويجب إزالة أي عوائق تحول دون إغاثة المدنيين.
والأطراف كلها ملزمة بضمان احترام القانون الدولي الإنساني.
ثانيًا - يجب أن نتحدث بصوت عالٍ وواضح دفاعا عن نظام المساعدة الإنسانية، ولا سيما الأونروا.
فالأونروا هي شريان حياة لا يمكن الاستغناء عنه لملايين الفلسطينيين.
والحاجة إلى شبكتها الواسعة من الموظفين والبنية التحتية باتت أشد الآن من أي وقت مضى.
فالأونروا أكثر امتلاكا للمدارس والمرافق الطبية والمستودعات والمكاتب والموظفين من جميع الوكالات الإنسانية الأخرى في أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة.
وهي مسؤولة عن أداء وظائف شبيهة بوظائف الدولة، إذ تقوم بما يلي:
توفير التعليم لأكثر من نصف مليون طالب وطالبة - تعليم يناصر حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين وقيم الأمم المتحدة...
إجراء 16،000 استشارة طبية يومياً وتقديم العلاج لأكثر من 895،000 مريض في الضفة الغربية وحدها كل عام...
وتقديم الخدمات الاجتماعية الحيوية.
ولا يوجد أي كيان آخر لديه القدرة أو الرقعة الممتدة لتقديم المساعدات اللازمة لإنقاذ الأرواح والخدمات الاجتماعية والتنموية بالحجم والاتساع المطلوبين في غزة وفي الأرض الفلسطينية المحتلة بشكل عام.
والأونروا هي أيضا عامل من عوامل الاستقرار والثقة.
ونظرا لانهيار القانون والنظام في غزة بشكل كامل، سيكون من المستحيل ملء الفراغ الذي سيخلفه غياب الأونروا.
وليكن معلوماً علم اليقين أنه إذا ما أُجبرت الأونروا على إغلاق أبوابها، فإن مسؤولية الاستعاضة عن خدماتها الحيوية - وتلبية الاحتياجات الأساسية للفلسطينيين في غزة - ستقع على عاتق إسرائيل بصفتها السلطة القائمة بالاحتلال.
لا على الأمم المتحدة.
ولا على المجتمع الدولي.
ولكن على إسرائيل - وإسرائيل وحدها.
لذا فإنني أناشد تقديم الدعم العاجل والكامل للإغاثة الإنسانية اللازمة لإنقاذ أرواح الشعب الفلسطيني من خلال الأونروا.
لا بديل آخر.
ثالثًا - نحن بحاجة إلى تكثيف الجهود من أجل التوصل إلى حل سياسي لإنهاء هذا الكابوس.
لقد آن الأوان منذ وقت طويل للتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن.
وإنهاء الاحتلال غير المشروع للأرض الفلسطينية المحتلة، حسب ما ارتأته محكمة العدل الدولية وطلبته الجمعية العامة.
وتطبيق حل الدولتين، بما يتماشى مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة - بحيث تعيش إسرائيل وفلسطين جنبا إلى جنب في سلام وأمن، وحيث تكون القدس عاصمة للدولتين.
أصحاب المعالي،
إن الكارثة التي تشهدها غزة ليست سوى انهيار كامل لإنسانيتنا المشتركة.
وهي كابوس يجب إنهاؤه.
ولا يُمكننا أن نستمر في صرف أنظارنا بعيدا عنه.
قبل أربعة أيام، كان حسن، موظفنا في الأونروا، ينقل أسرته إلى حيث الأمان، في عملية انتقال مُنسقة. لكنهموجدوا أنفسهم في مرمى النيران، ولدى وصوله إلى أسرته، كانت زوجته وبناته الثلاث قتلى، لم يتبق سوى هو وابنه.
لقد حان وقت التحرك.
بالعزيمة يجب أن يتوقف هذا الصراع الكارثي.
شكراً لكم.
***