في افتتاح مؤتمر المحيط بنيس، غوتيريش يؤكد: هناك فرصة للتغيير في مواجهة أزمة المحيطات
٠٩ يونيو ٢٠٢٥
قال الأمين للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش إن المحيط هو المورد المشترك الأسمى، "لكننا نخذله"، داعيا إلى دمج أولويات المحيطات في أنظمة المناخ والغذاء والتمويل المستدام، "لأنه بدون محيط سليم، لا يمكن أن يكون هناك كوكب سليم".
جاء ذلك في كلمة ألقاها غوتيريش، اليوم الاثنين، في افتتاح مؤتمر الأمم المتحدة للمحيط الذي تحتضنه مدينة نيس الفرنسية وتنظمه كل من فرنسا وكوستاريكا، ويستمر حتى 13 حزيران/يونيو 2025.
وقدم الأمين العام تفصيلا للتهديدات المتزايدة للمحيطات، بما فيها انهيار المخزونات السمكية، والاستهلاك المفرط والصيد غير المشروع الذي يدفع الحياة البحرية نحو الهاوية، و23 مليون طن من النفايات البلاستيكية التي تدخل المياه سنويا، وتلوث الكربون الذي يُسبب حموضة مياه المحيطات، والحرارة القاتلة.
Tweet URL
وحذر كذلك من أن "ارتفاع منسوب مياه البحار يغمر أراضي الدلتا، ويدمر المحاصيل، ويبتلع السواحل، ويهدد بقاء العديد من الجزر". وأضاف أن هذه "أعراض نظام مأزوم"، وهي تتغذى على بعضها البعض.
وسلط الأمين العام الضوء على تزايد انعدام الأمن، ليس فقط بسبب قوى طبيعية، بل أيضا بسبب قوى إجرامية، مضيفا: "القرصنة والجريمة المنظمة والاتجار بالبشر ونهب الموارد الطبيعية تهدد حياة الناس وتقوض التنمية وتحرم المجتمعات الساحلية من حقوقها".
فعالية التعددية
وتحدث أمين عام الأمم المتحدة عن التقدم الذي تم إحرازه منذ مؤتمر المحيط السابق في لشبونة، مشيرا إلى إطار كونمينغ-مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي، والاتفاق التاريخي بشأن التنوع البيولوجي البحري للمناطق الواقعة خارج نطاق الولاية الوطنية.
وقال غوتيريش: "هذا يُثبت فعالية التعددية، ولكن فقط إذا اقترنت الأقوال بالأفعال، من خلال خطط وطنية ملموسة تتماشى مع الأهداف العالمية، ومن خلال تمكين الصيادين والشعوب الأصلية والعلماء والشباب".
وأشار إلى أن الهدف 14 من أهداف التنمية المستدامة وهو "الحياة تحت الماء"، لا يزال من أقل أهداف التنمية المستدامة تمويلا، مشددا على أنه "يجب أن يتغير هذا الوضع، من خلال زيادة التمويل العام، ودعم أكبر من بنوك التنمية، ونماذج جريئة لإطلاق العنان لرأس المال الخاص"، داعيا جميع الدول إلى تقديم تعهدات جريئة.
أمل في تغيير المسار
دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى "تعزيز الأمن البحري باعتباره ركيزة أساسية للتنمية المستدامة". وأشار إلى أن الدول تخوض أيضا غمارا جديدا في مجال التعدين في قاع البحار، مضيفا أنه يدعم العمل المستمر للهيئة الدولية لقاع البحار بشأن هذه القضية المهمة. وقال الأمين العام إن هناك فرصة لاستعادة الوفرة البحرية، مضيفا: "ما فُقد في جيل واحد، يمكن أن يعود في جيل آخر".
وأعرب عن أمله في "أن نتمكن من تغيير مسار الأمور، وأن نتمكن من الانتقال من النهب إلى الحماية، ومن الإقصاء إلى الإنصاف، ومن الاستغلال قصير الأمد إلى رعاية طويلة الأجل".
UN Photo/Evan Schneider
إعلان السلام مع المحيط
شارك أكثر من 50 رئيس دولة وحكومة في حفل الافتتاح، بمن فيهم الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في استعراض للقوة السياسية يؤكد على أهمية القمة. وفي المجمل، تشارك أكثر من 120 دولة في هذا التجمع الذي يستمر خمسة أيام.
ووجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي تشارك بلاده في استضافة القمة إلى جانب كوستاريكا، دعوة قوية للعلم والقانون والعزم متعدد الأطراف.
وقال في كلمته: "غرينلاند ليست للبيع، تماما كما أن القارة القطبية الجنوبية أو أعالي البحار ليست للبيع"، مضيفا أنه "إذا كانت درجة حرارة الأرض ترتفع، فإن المحيط يغلي".
وشدد على أنه لا يمكن ترك مصير البحار للأسواق أو للرأي العام، قائلا: "لذلك، فإن الاستجابة الأولى هي التعددية. المناخ، كما التنوع البيولوجي، ليس مسألة رأي، بل هو مسألة حقائق علمية مثبتة".
ثم تحدث رئيس كوستاريكا، رودريغو تشافيس روبلز حيث شكر أمين عام الأمم المتحدة على إبرازه أهمية المحيط على جدول الأعمال العالمي، ثم انتقل إلى تحذير صارخ، قائلا: "المحيط يتحدث إلينا بشعاب مرجانية مبيضة، وعواصف، وأشجار مانغروف مجروحة. لم يعد هناك وقت للخطابات. الآن هو وقت العمل".
وأدان تشافيس عقودا من التعامل مع المحيط على أنه "مخزن لا نهائي ومكب نفايات عالمي"، وحث على التحول من الاستغلال إلى الاعتناء بالمحيط. وقال: "كوستاريكا بلد صغير، لكن هذا التغيير قد بدأ. نحن الآن نعلن السلام مع المحيط".
ودعا إلى وقف مؤقت للتعدين في أعماق البحار في المياه الدولية حتى يتمكن العلم من تقييم المخاطر بشكل كافٍ، وهو موقف تدعمه بالفعل 33 دولة، كما أشار.
UN News/Heyi Zou
اتفاقات عالمية وتعهدات جديدة
يعد أحد الأهداف الأساسية للقمة هو المساعدة في تنفيذ معاهدة أعالي البحار التاريخية التي اعتُمدت عام 2023 لحماية الحياة في المياه الدولية. وتتطلب المعاهدة ستين تصديقا لتصبح قانونا دوليا مُلزما. وأعلن الرئيس الفرنسي أن هذا الإنجاز أصبح في متناول اليد.
وقال: "بالإضافة إلى حوالي 50 تصديقا قُدِمت هنا خلال الساعات القليلة الماضية، التزمت 15 دولة رسميا بالانضمام إليها. هذا يعني أنه تم التوصل إلى الاتفاق السياسي، الذي يسمح لنا بالقول إن هذه المعاهدة ستُنفَذ بشكل صحيح". وأضاف الرئيس الفرنسي أنه سواء تم تجاوز العتبة القانونية هذا الأسبوع أو بعده بقليل، "فإنه انتصار".
وأظهرت الكلمات الافتتاحية أن مدينة نيس ستكون مسرحا لمفاوضات بالغة الأهمية، بشأن وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق عالمي بشأن التلوث البلاستيكي، وتوسيع نطاق تمويل المحيطات، ومعالجة الجدل الدائر حول التعدين في قاع البحار. ومن المتوقع الإعلان عن مئات التعهدات الجديدة، لتضاف إلى أكثر من 2000 التزام طوعي قُطع منذ مؤتمر الأمم المتحدة الأول للمحيط عام 2017.
وستُتوج المحادثات التي تستمر أسبوعا باعتماد إعلان سياسي والكشف عن خطة عمل نيس للمحيطات، وهي خطة عمل تتماشى مع إطار كونمينغ-مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي التاريخي، وهو اتفاق أُبرم عام 2022 لحماية 30 في المائة من النظم البيئية البحرية والبرية بحلول عام 2030.
ويوم الأحد، أقيم حفل رمزي ترأسه لي جونهوا، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية والأمين العام للمؤتمر، حيث تم رفع علمي فرنسا والأمم المتحدة.
UN News/Fabrice Robinet
لمسات تراثية وعلمية وفنية في الافتتاح
قبل بدء المفاوضات، شهدت الجلسة الافتتاحية عددا من الطقوس، حيث احتفل الناشط في مجال المناخ من منطقة بولينيزيا، لودوفيك بيرنز توكي ببدء القمة بنفخ ما يعرف باسم "بو"، وهي صدفة محارة تقليدية.
وقال لأخبار الأمم المتحدة بعد الحفل: "إنها وسيلة للتواصل مع الجميع. أنفخ بدعم من أجدادنا". في الملاحة البولينيزية، يُنفخ في المحارة عند الوصول إلى جزيرة جديدة للإشارة إلى النية السلمية. ويرى توكي، المولود في تاهيتي لأبوين من جزيرتي تواموتو وإيستر، المحيط حدودا ورابطا في آن واحد.
وقال: "لسنا دولا فحسب، بل نحتاج إلى التفكير كنظام جماعي، لأن هذا محيط واحد، وشعب واحد، ومستقبل للجميع".
كما تضمن الجزء الثقافي للافتتاح كلمة للمؤرخ التاهيتي هينانو مورفي، وعرضا للفنون القتالية قدمه معلم التايكوندو الفرنسي أوليفييه سيكارد، واستعراضا علميا لمستكشفة أعماق البحار أنتي بوتيوس، وشهادة شعرية للمخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو، برفقة عازف الكورا، واسا كوياتي.
أهداف المؤتمر واضحة وطموحة وهي تعزيز تعهد حماية 30 في المائة من أراضي الكوكب والمناطق الساحلية والمياه الداخلية بحلول عام 2023، وتعزيز مصائد الأسماك المستدامة، وإزالة الكربون من النقل البحري، وفتح آفاق جديدة لـ"التمويل الأزرق".
وبالإضافة إلى الجلسات العامة، يشهد يوم الاثنين جلستي عمل رفيعتي المستوى؛ إحداهما حول الحفاظ على النظم البيئية البحرية واستعادتها، بما في ذلك موائل أعماق البحار، والأخرى حول تعزيز التعاون العلمي وتبادل التكنولوجيا والتعليم لسد الفجوة بين العلم والسياسة.